أصناف للذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب
يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية:
قد رأينا أخي و أخيتي كم يحبنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يتركنا –بأبي هو وأمي - يوم القيامة؛ فيشفع لنا لبدء الحساب، ويسقينا من نهر الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، وأكرر عليك السؤال: هذا ما قدم نبيك لكِ، فماذا قدمت له !!!
وفي ذلك اليوم العظيم، وذلك المشهد الرهيب، يأذن تبارك وتعالى ببدء الحساب، والعرض عليه جل وعلا.
ويفاجأ كل عبد بنداء مهيب، من قبل ملائكة الجبار جل وعلا: يا فلان بن فلان، قم وتهيأ للعرض على ديان السماوات والأرض، وساعتها حين يحين دورك، ستعرفين أخيتي أنك المقصودة بهذا النداء و
ستعرف أخي أنك المقصود بهذا النداء ، ولو تشابه اسمكِ مع ملايين النساء الأخريات و ملايين الرجال 0
قال رسول صلى الله عليه وسلم: [[ ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه؛ فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه؛ فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه؛ فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ]]. رواه البخاري.
وحينها تنصب محكمة العدل الإلهية، محكمة عظيمة مهيبة، لا كمحاكم الدنيا، محكمة قاضيها هو الله، الحكم العدل، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وشهودها كثيرون جدًا، من ملائكة كرام كاتبين، وأرض تحدث بما ارتكب عليها من خير أو شر، وجوارح وأعضاء، تحدث بما ارتكبت من الفضائح، وفي هذه المحكمة لا نقض ولا استئناف، بل يظهر الحكم النهائي فورًا في نفس المحاكمة من الله الحكم العدل على عبده بالانضمام إلى أحد أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: إلى الجنة بغير حساب:
فمن المؤمنين قمم أفذاذ، لا يحتاجون إلى حساب لتَثبُت استقامتهم على درب الإيمان، إنهم الذين صاموا في الدنيا عن كل ما حرم الله، وجعلوا فطرهم في جنات عدن، عند مليك مقتدر.
تاجروا مع الله تعالى التجارة الرابحة، باعوا أنفسهم وأموالهم لمن وهبهم إياها بسلعة الله الغالية التي هي الجنة، فربح البيع، ربح البيع، لسان حالهم يعبر عنه الإمام ابن المبارك رحمه الله، حينما انبرى يدفع عن الدين، باذلًا نفسه في سبيل ربه، فقال:
بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنًا
إني وزنت الذي يـــــبقى ليــعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
يصفهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بقوله: [[ ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا -أو سبعمائة ألف- متماسكون آخذ بعضهم بعضًا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ]]. رواه البخاري.
ولا تيأسِ أخي و أخيتي- من قلة العدد- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبث الأمل فيقلبك و قلبكِ، ويزيد فرصتك في اللحاق بهم، فيقول صلى الله عليه وسلم:
[[ أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل؛ فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا ]]. صححه الألباني في صحيح الجامع.
بل وتعالي لنرفع الأمل في قلبك إلى عنان السماء، بهذا البيان الثالث من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم إذ يقول: [[ وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، بلا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون، وثلاث حثيات من حثيات ربي ]]. صححه الألباني في صحيح الجامع.
أما وقد تشوقت لهم، ورجوتِ أن تكون منهم؛ فإليكِ صفاتهم العكَّاشية على لسان سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ ينبيك عنها فيقول في حديث طويل:
[[..... قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: فأنت منهم، ثم قام إليه رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة ]]. رواه البخاري.
فتوهمي أخيتيوأخي أنكو أنكِ منهم، كم سيكون فرحكِ وأنتِ تسيرين وسط هذه الكوكبة من أهل كرامة الله ورضوانه، مبيضَّة وجوهم ، مشرقة برضا الله ، مسرورون فرحون مستبشرون
فبالله عليكِ، هل يساوي هذا النعيم الخالد أن يباع بأي متعة زائلة
الصنف الثاني: فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا:
وأما الزهرة الصالحة، أما المؤمنة التقية، أما من عرفت الطريق إلى الله في الدنيا؛ فهنالك تجد برد الوصول، فهذه من أصحاب العرض على الله أو الحساب اليسير، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم حين قال: [[ من حوسب يوم القيامة عذب ]]، فقالت عائشة رضي الله عنها: أوليس يقول الله تعالى: [[ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ]] قال صلى الله عليه وسلم: [[ ليس ذلك بالحساب، إنما ذلك العرض ]]. صححه الألباني في صحيح الجامع
وهو أن يخلو الله تعالى بعبده؛ فيعاتبه حتى ليكاد العبد يذوب حياءً من ربه، ويفيض عرقه خجلًا من مولاه، ثم يغفر الله له، ويرضى عنه بمنه وكرمه، يصور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المشهد الرقراق فيقول:
[[ إن الله تعالى يدني المؤمن؛ فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول: تعرف ذنب كذا فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك؛ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكافر والمنافق، فينادى على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ]]. صححه الألباني في صحيح الجامع.
توهم أخي وتوهمي أيتها الغالية:
إنكِ بين يدي الله ، يعرض ذنوبك كلها، ما تذكرت منها وما نسيتِ إياه، مما أحصاه الله ونسيتيه.
فيذكرك ربك بتقصيركِ في حجابك، أو تقصيرك في صلاتك، أو بعقوقك والديكِ، أو بمشاهدة فيلم محرم، أو استماع إلى أغنية فارغة، أوباستهزائك بأختك المسلمة، أو بهجرك لسنة نبيك، أو ...، أو .....، أو .... [[يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ]][غافر : 19].
كيف سيكون حالك هل سيتساقط جلدك من الخجل أو تذوبين من الخوف
وتذكرأخي وتذكري أخيتي أن هذا هو من عوتب، فكيف بمن حوسب
الصنف الثالث: الحساب العسير:
وإذا كان العاصي لئيمًا في حياته الدنيا؛ فإنه يحسب أن لؤمه وذكاءه سينجيه يوم القيامة، ولكن هيهات هيهات، وتأملي في ذلك المشهد المضحك المبكي، الذي يصور حال أصحاب الحساب العسير:
عن أنس t قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: [[ هل تدرون مم أضحك ]] قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: [[من مخاطبة العبد ربه، يقول: رب ألم تجرني من الظلم فيقول: بلى، فيقول: فإني لا أجيز على نفسي شاهدًا اليوم إلا من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيختم على فيه، ويقال لجوارحه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل]]. رواه مسلم.
هكذا تنطق الجوارح بما فعلت في الدنيا من معصية الله، في شهادة دامغة لا يملك معها صاحب المعصية إنكارًا أو تشكيكًا، كما : [[الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ]][يس : 65]. هذا أخيتي ما تجنيه المعصية. هذا ما يجنيه الإعراض عن طريق الله.
هذا ما يجنيه الاستهانة بأوامر الله.هذا ما يجنيه استصغار الذنوب والإصرار عليها.
هذا ما يجنيه طول الأمل.
أخي توهم وأختاه توهمي: أن اسمك قد نُودي على رؤوس الخلائق..
توهم وتوهمي: أن الملائكة قد أخذت بعضدكِ تدفعك للعرض على الجبار.
توهم وتوهمي: أنك أمام الحكم العدل، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض
تُرَى، كيف سيخاطبك ربك ترى ما هي نتيجة المحاكمة تُرى أي الأصناف الثلاثة أنت / أنتِ
أخي وأخيتي الغالية، إن لديك من الخير الكثير؛ فلا تنساق وتنساقي للنفس وشهواتها، وتهيأوتهيئي للعرض على ديان السموات والأرض، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليم .وإلى أن أللقاء في المحطة التالية من رحلة الإيمان، فلا تنساني من صالح دعائك.