التفكير في القرارات معظمنا يتفق أن القرار الجيد هو قرار مدروس جيداً, بمعنى أننا قبل أنت
نتخذه, فإننا نكون قد درسنا جميع الخيارات ونظرنا في كل ناحية وفهمنا كل مضمون من مضامينه.
وعليه, فإن اتخاذ قرار مدروس يتطلب الكثير من التفكير. ومع ذلك فإن معظم القرارات تتخذ
باستخدام قدر يسير من التفكير الحقيقي. انظر في الفكرة التي أدت إلى آخر زيارة لك لمحل البقالة.
إلى أي حد كان آخر قرار لك في العمل مدروساً بشكل جيد فيما يخص كتابة تقريرك الشهري
لمديرك, أو إرسال رسالة لعميلك , أو قضاء نصف يوم في تصنيف مشكلة فنية ربما كان بإمكانك
بسهولة أن تفوضها لأحد أعضاء فريقك؟ هناك عدد من التحيزات يبدو أنها تعمل بانتظام على إعاقة
التفكير الذي يسبق اتخاذ القرار: جميع الأسئلة في العمل سهلة بالضرورة هل الأسئلة سهولة
تنطوي على سبب – نتيجة؟ أو هل هي جزء من نظام معقد من العمليات المترابطة؟ وإذا كان
السؤال يتضمن أشخاصاً – كما هو الحال في معظم الأسئلة الإدارية – فإنها لن تكون سهلة على
الأرجح. المسألة كلها تتعلق بالخط الأساسي وهذا عادة يعني المال. غير أن استعمال هذه العبارة
قد يكون بمثابة عذر للتفكير الفوضوي أو غير المنضبط. أين الخط الأساسي؟ كيف تحسبه؟ لمن هذا
الخط الأساسي؟ كم خطأ أساسياً نتكلم عنه؟ أيها يجب أن ندرسه؟ من الذي يقرر أين نضعه؟ ومتى
نضعه؟ جميع القرارات قصيرة الأجل لماذا تجهد نفسك في التفكير كثيراً في القرار؟ فكل شيء
سيتغير بحلول الغد على أية حال. هذا سوء فهم للفكرة التي تقول: إن جميع القرارات مؤقتة
بالطبع, المستقبل غير مضمون لكن هذا ليس سبباً لرفض التفكير فيه أو التخطيط له. بل إننا نحتاج
إلى التفكير حتى في قرارات العمل الصغيرة بلغة الأهداف الطويلة الأجل. وإذا لم نحدد لنا مساراً,
فإننا نختزل إلى مجرد التفاعل مع الأشياء عند حدوثها وهو ما يطلق عليه: أسلوب " مكافحة
الحريق " الذي يميز الكثير من القرارات التي تتخذ في المؤسسات والشركات. نعرف ما نتحدث
عنه من السهل جداً أن نضع افتراضات سهلة عن سياق القرار. ومن ذلك العادات التنظيمية التي
تملي علينا سلوكنا, والقيود المفروضة على المصادر, والأفراد أو الميزانية, وعواقب أي إجراء.
فإذا سمحنا لأنفسنا بأن نكون سجناء افتراضاتنا, فإننا على الأرجح سنُؤخذ على حين غرة. إذا أردنا
نتائج أفضل, فإننا نحتاج لأن نتخذ قرارات أفضل. وإذا أردنا أن نتخذ قرارات أفضل, فإنه من
الأفضل لنا أن نحسّن التفكير الذي تنطوي عليه هذه القرارات. يجب أن نبدأ بالنظر إلى التفكير
كأداة إدارية ضرورية, والتفكير الجيد لا يعتمد على الذكاء, إذ أن الذكاء بحد ذاته لا يحقق شيئاً.
كما أنه لا يعتمد على التعليم إذ أن العديد من الأشخاص ذوي التأهيل العالي يجدون صعوبة في
التفكير بشكل جيد, بمعنى أن التفكير الجيد ليس تجميعاً للمعلومات بل هو إقرار بأن المعلومات
المتوافرة لا يمكن أن تكون كاملة مطلقاً. وإذن, لماذا لا نعطي اعتباراً أكثر لنوعية تفكيرنا كمدراء؟
لا أملك الوقت الكافي للتفكير التغيير يتم بأسرع من أي وقت مضى وكلنا واقعون تحت ضغط ما.
وسوف تتجاوز الأحداث أفكارنا قبل أن نعرفها. إن المدير الذي ليس لديه وقت للتفكير هو مدير
أداؤه منخفض, فالإدارة في الأساس هي عملية تفكير. بمعنى أنك إذا لم تنتبه إلى مسؤولياتك
التفكيرية, فإنك ربما لا تنظم وقتك بشكل فاعل. وتذّكر بأنه يمكننا أن نفكّر بسرعة الضوء. وربما ما
نحتاج إلى عمله هو تحسين نوعية تفكيرنا. أنا أفكر أصلاً التفكير شيء أقوم به بشكل طبيعي. فهو
ليس أكثر من مجرد تطبيق الفطرة السليمة على بيانات متخصصة. لم يتم تعليمنا على أن نفكر في
التفكير. وكموضوع في المنهاج فهو ليس موجوداً. ولا عجب إذن ألا نعطي الكثير من الاعتبار إلى
الطريقة التي ندير بها قراراتنا. التفكير لا يوصلنا إلى أي مكان مطلقاً المفكرون أشخاص يفكرون
لكسب العيش وهم معروفون بأنهم غير عمليين. ويبدو أن العمل – ولا سيما في البيئة التي تسير
بسرعة – يحتاج إلى ردود فعل سريعة واستجابات بديهية والإمساك بالفرصة الأفضل. ومن ناحية
أخرى, إلى أين لا يأخذنا التفكير؟ أنا لا أتقاضى أجراً لأفكر بل لأنجز الأشياء إننا نميل إلى وضع
التفكير والعمل كقطبين متعاكسين. في الواقع, نتقاضى أجراً لتحقيق نتائج. ونعتقد بأننا عندما نريد
أن نعمل ونحقق نتيجة ما, فإن ذلك من الأفضل أن يتم بدون تفكير. بعض المؤسسات تقلل بانتظام
من شأن التفكير. وقد تطور ثقافة " ذَكَريّة " ينظر فيها للتفكير كنقطة ضعف كمؤشر يدل على عدم
الحسم. وينظر إلى أفضل صانع قرار على أنه أسرع مسدس. وهناك مؤسسات أخرى تولي أهمية
للانشغال : بمعنى العمل لأطول فترة ممكنة مواكبين عمل الإلكترونيات ومتخذين جميع القرارات
في حينها وبسرعة. كم من القرارات في تلك المؤسسة يمكن أن تعتبر بحق قرارات جيدة؟ كم من
الوقت يصرفه المدراء في تقديم اعتذارات عن قرار ما تبيّن فيما بعد أنه قرار سيئ؟